الاثنين، 10 سبتمبر 2012

طريقان ثالثهما للفلول

بقلم: دكتور مجدي قرقر

شمعة نضيئها مع الجمعية التأسيسية للدستور ( 2 )

طريقان ثالثهما للفلول
لضمان دستورية الانتخابات التشريعية

qorqor52@yahoo.com

قيمة المساواة قيمة عالية في الشرائع السماوية والأعراف والدساتير وإذا وجدت شبهة عدم المساواة في قانون أصبحت مدخلا للطعن فيه حتى وإن غاب النص عليها في الدستور فهي عرف ودين قبل أن تكون دستورا.
ولقد كان مبدأ المساواة مدخلا لحل مجلس الشعب ثلاث مرات، مرتين بالحق ومرة بالباطل. في عام 1984م تم انتخاب مجلس الشعب بأسلوب القوائم النسبية المشروطة بشرط الحزبية دون السماح لغير الحزبيين بالترشح على أي مقعد، فقام الأستاذ كمال خالد المحامي - غير حزبي ومن دمياط - بالطعن على دستورية قانون الانتخابات وحكمت المحكمة الدستورية لصالحه عام 1987م، وتضامنت معه الأحزاب ومنها حزب العمل الذي حصل على 7.50 % من الأصوات - 28 مقعد - ضاعت كلها عليه ليلتهمها الحزب الحاكم - "أبو كرش كبير" - لأن القانون الجائر اشترط الحصول على نسبة 8.00 % ليتم التمثيل في المجلس. ولم يقم مبارك - رئيس الدولة - بإصدار قرار حل المجلس إلا بعد ضغط الأحزاب بمؤتمر حاشد بمركز شباب عابدين. خلاصة القول أن مجلس 1984م حل عام 1987م - بعد ثلاث سنوات - نظرا لعدم السماح لغير الحزبيين بالترشح على أي مقعد.
وتفاديا للمطعن السابق تم تخصيص 48 مقعدا لغير الحزبيين في قانون انتخابات مجلس الشعب 1987م التي تمت بأسلوب القوائم النسبية المشروطة بشرط الحزبية مع المقاعد السابقة المحددة لغير الحزبيين والتي سمح للحزبيين بالمنافسة والمزاحمة عليها، فقام الأستاذ كمال خالد المحامي مرة ثانية بالطعن على دستورية قانون الانتخابات معتمدا على شبهة عدم المساواة وحكمت المحكمة الدستورية لصالحه في مايو 1990م - أيضا بعد ثلاث سنوات - رغم أن أغلب دول العالم لا مكان في البرلمان فيها لغير الحزبيين كما أشار الأستاذ مجدي حسين رئيس الحزب في مقال سابق، ولم يقم مبارك بإصدار قرار حل المجلس إلا في أكتوبر 1990م، أي أن المجلس ظل قائما خمسة شهور بعد الحكم بعدم دستورية القانون الذي أجريت على أساسه الانتخابات. خلاصة القول أن مجلس 1987م حل عام 1990م نظرا لأن نسبة الـ 10.00 % المخصصة لغير الحزبيين والتي ينافس عليها الحزبيين لا تحقق مبدأ المساواة.
*****
الجمعية التأسيسية وإلقاء الكرة بعيدا عنها
وأخذا بمبدأ السلامة تم العودة لأسلوب الانتخابات الفردية التي ينافس عليها الجميع حزبيين وغير حزبيين رغم أنه يمكن الطعن عليها أيضا لعدم التكافؤ وعدم المساواة حيث تدعم الأحزاب مرشحيها في حين لا يحظى غير الحزبيين بدعم مماثل. إن من يريد الطعن سيجد الثغرة والثغرات في القانون التي تمكنه من الطعن على القانون ومن هنا يلزم تحصين قوانين الانتخابات دستوريا وهو ما دفعنا لكتابة هذا المقال حيث تواترت الأنباء عن أن الجمعية التأسيسية بصدد النص على أن القانون هو الذي يحدد أسلوب الانتخابات التشريعية المناسب وبما يفتح أبوابا كثيرة وواسعة للطعن في دستورية هذه القوانين وحل المجالس التشريعية وشيوع حالة من عدم الاستقرار واحتمالات الفراغ الدستوري كما هو حادث الآن إضافة إلى شبهة عدم دستورية القوانين الصادرة عن مجالس مطعون في دستوريتها.
ويخطئ الكثيرون عندما يدعون أن حكم المحكمة الدستورية بشأن قانون انتخابات مجلس 2012 مشابه لحكمها بشأن قانون انتخابات مجلسي 1984م، 1987م إذ أن مجلس 1984م لم يسمح لغير الحزبيين بالمشاركة كما أن مجلس 1987م لم يسمح لهم بالمنافسة إلا على 48 مقعد ( حوالي 10 % من المقاعد ) مع السماح للحزبيين بالمنافسة على نفس المقاعد في حين أن مجلس 2012 أعطى لغير الحزبيين الحق في المنافسة على 166 مقعد ( 33.33 % من المقاعد ) وهي نسبة لم تكن محلا لطعن - إضافة أن هذه النسبة كانت محصنة بالإعلان الدستوري وفقا لنص المادة 38 من الإعلان الدستوري الصادر في مارس 2011 والمعدلة في 25 سبتمبر 2011- ولكن الطعن كان في مزاحمة الحزبيين لغير الحزبيين وهو ما يشير إلى مخالفة المحكمة الدستورية للإعلان الدستوري متجاوزة صلاحياتها ومتغولة على السلطة التشريعية بما خدم المجلس الأعلى للقوات المسلحة ليحل المجلس ويغتصب سلطة التشريع.
*****
عيوب النظام الفردي
وأسلوب انتخاب أعضاء مجلسي الشعب والشورى بالانتخاب الفردي أسلوب معيب لأنه يفرز النائب الخدمي - الذي يستطيع تقديم خدمات صغيرة لأهالي دائرته بغض النظر عن كفاءته وقدرته على التشريع والمراقبة والمساءلة.
والغلبة في الانتخابات بالأسلوب الفردي للعصبية والمال والبلطجة وهذه وإن عكست رغبة جزء من الشعب فهي لا تعبر عن إرادة كل الشعب. وهذا ما دفع الأحزاب السياسية للضغط على المجلس الأعلى للقوات المسلحة لتعديل المادة الخامسة من قانون انتخابات مجلس الشعب بالسماح للحزبيين بالمنافسة على المقاعد الفردية وإلا كانت الغلبة لفلول النظام السابق الذين يمتلكون العصبية والمال والبلطجة بما يهدد برلمان الثورة، ولكن هذه المادة تحديدا كانت هي مدخل الطعن وهو ما حذرنا منه في حينه.
نحن بحاجة إلى دولة غير مركزية، وبالتالي نحن بحاجة لحكم محلي لا إدارة محلية بصلاحيات حقيقية للمحافظين والمحليات والمجالس المحلية فيكون النائب الخدمي ممثلا في هذه المجالس بأسلوب الانتخاب الفردي، أما المجالس التشريعية فيلزم أن يتم انتخابها بالقائمة النسبية غير المشروطة. غير المشروطة بشرط الحزبية أو العدد أو التمثيل على مستوى الجمهورية. وهو أسلوب غير مطعون في دستوريته كما أنه يتيح الفرصة للفئات الضعيفة التي لا تأتي بالانتخاب الفردي مثل المرأة والأقباط المسيحيين كما أنه يفرز النائب التشريعي الذي لديه القدرة على التشريع والمراقبة والمسائلة وتقديم الأسئلة وطلبات الإحاطة والاستجوابات.
ومن هنا يلزم النص في الدستور الجديد على أسلوب الانتخاب بالقائمة النسبية غير المشروطة، وهذه رسالتنا للجمعية التأسيسية لتبني هذا الاتجاه.
*****
الأوضاع السياسية والاجتماعية والنظام الانتخابي المناسب
تختلف نظم الانتخابات من دولة لأخرى تبعا للظروف السياسية والاجتماعية والاقتصادية ومدى التقدم الحضاري والثقافي لشعوبها ومن هنا يفترض لاختيار نظام انتخابي أنسب لمصر لانتخاب مجالسها التشريعية أن يحقق المعايير التالية:
• تجاوز السلبيات والعيوب في نظامي الفردي والقائمة النسبية أو تحجيمها حيث لا يوجد نظام انتخابي خال من العيوب فلكل نظام مزاياه وعيوبه.
• النظام الانتخابي المناسب للمجالس التشريعية قد لا يكون مناسبا للمجالس المحلية نظرا لاختلاف المعايير المطلوبة في نواب المجالس التشريعية عن تلك المطلوبة في نواب المجالس المحلية 0
• مطلوب أن نفكر لأنفسنا بأنفسنا في إبداع النظام الانتخابي الأنسب لنا ولكن في نفس الوقت يجب ألا تكون لدينا الحساسية من الاستفادة من خبرة الآخرين إذا تطابقت بدرجة أو بأخرى مع ما قد فكرنا فيه.

وفي هذا الإطار إذا حاولنا الربط بين الوضع السياسي والاجتماعي في مصر والمعايير المطلوبة في نواب المجالس التشريعية فإنه يمكننا نخلص من هذا الربط إلى النظام الانتخابي المناسب لمصر :
• مصر دولة تعاني بدرجة كبيرة من نقص الخدمات وقصور البنية التحتية خاصة خارج القاهرة، وبالتالي فإن كافة المحافظات وكذا العشوائيات في القاهرة والإسكندرية في أمس الحاجة لهذه الخدمات.
• في نفس الوقت، مصر دولة مركزية قوية، وكل السلطات مركزة في يد الوزراء، وأبواب الوزراء لا تفتح إلا للنواب، وإن لم تفتح فهم يتكالبون على الوزراء داخل قاعة المجلس، والانتخابات الفردية هي الأقدر على فرز هذا النوع من النواب الخدميين.
• مصر دولة تواجه كثيرا من التحديات الداخلية والخارجية التي تستدعي وجود نواب لهم رؤية كلية قومية وهو ما لا يتوافر غالبا في النواب اللذين تفرزهم الانتخابات الفردية 0
كيف نحل هذه الإشكالية، وهل من نظام انتخابي يحل هذه المعادلة الصعبة بإفراز نواب لهم قدرة على التشريع والرقابة - وهو الدور الأصيل للمجالس التشريعية ونواب خدميين ؟
***
نظامان انتخابيان ثالثهما للفلول
مما سبق يمكن أن نخلص إلى أحد نظامين يحققان المعايير السابقة :
1. نظام القائمة النسبية غير المشروطة بأي شرط ( الانتماء الحزبي – تحقيق نسبة معينة على مستوى الجمهورية – أن تكون القائمة مقفولة بها كل العدد المطلوب انتخابه للدائرة،0 الخ ) بما يسمح للمستقلين أن يخوضوا الانتخابات بقائمة أو أكثر خاصة بهم وفي دائرتهم فقط وبما يسمح لأحد المستقلين أن يخوض الانتخابات بقائمة بها اسمه فقط وبما يسمح لمجموعة من الأحزاب المتقاربة في الرؤى بأن تشارك في قائمة واحدة وبما يسمح بالمشاركة بعدد معين من الدوائر دون الالتزام بالمشاركة في كل دوائر الجمهورية طالما أن نظام الانتخاب لا يشترط نسبة معينة على مستوى الجمهورية. وهو نظام غير مطعون في دستوريته حيث يتيح فرص متكافئة للمستقلين والحزبيين على السواء.
2. النظام المختلط المعمول به في ألمانيا وهو نفس النظام الذي تم على أساسه انتخابات 2011م ويجمع بين النظامين الفردي والقائمة والذي حدد للفردي نسبة الثلث والقائمة نسبة الثلثين وبما يؤدي إلى نجاح كلا النائبين : النائب الخدمي والنائب الذي لديه القدرة على التشريع والاهتمام بالقضايا القومية الكلية أو بمعنى آخر النائب المهتم بهموم دائرته الصغيرة وذلك المهتم بهموم مصر كلها، ولكي نفوت فرصة الطعن على عدم الدستورية كما حدث مؤخرا أمامنا أحد سبيلين.
• أن يسمح للحزبيين وغير الحزبيين بالمنافسة من خلال القوائم ومن خلال المقاعد الفردية في نفس الوقت أي أن لكل منهما الحق في المنافسة غلى 100 % من المقاعد.. وهذا ما نفضله لدفع الحياة السياسية للأمام.
• أن تقتصر المنافسة على القوائم للحزبيين وعلى المقاعد الفردية على غير الحزبيين وهو بديل غير مفضل لأنه يحدد نسبة لغير الحزبيين يمكن الطعن عليها بحجة عدم المساواة
أي أنهم طريقان بثلاثة بدائل مرتبين تنازليا من حيث الأفضلية وصعوبة الطعن عليها
3. الطريق الثالث والأسوأ والذي يعيد فلول النظام السابق للمشهد السياسي هو أن تكون المنافسة على كافة المقاعد بأسلوب الانتخاب الفردي بما يجعل اليد العليا للبلطجة والعصبية والمال.
*****
أمامنا طريقان ثالثهما يمهد للفلول فهل تحسن الجمعية التأسيسية الاختيار بالنص في الدستور الجديد على أسلوب الانتخاب بالقائمة النسبية غير المشروطة أو النظام المختلط وفقا لما ذهبنا إليه أم تتهرب وترمي الكرة في ملعب القانون
ليس أمامنا في حزب العمل سوى أن نكتب ونخاطب الجمعية التأسيسية بعد أن تم استبعادنا من المشاركة فيها عن عمد!!!!!
نعود فنؤكد إن إصلاح النظام الانتخابي وحده لن يكفي طالما لم يتحقق إصلاح النظام السياسي الذي يكفل حياة حرة كريمة وديمقراطية حقيقية كاملة غير منقوصة
والحمد لله رب العالمين وهو ولي التوفيق.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

صحيفة ألمانية:قضاة مبارك هم سبب الأزمة في مصر

أبرزت جريدة دي تسايت  الألمانية الأسبوعية التي يصدرها المستشار الألماني السابق هيلموت شميدت في مقالة لها صادرة اليوم أن سبب النزاع المست...